كالنكبة او أبعد

لعل افضل ما قامت به امريكا منذ تأسيسها الى الان هو تأجيلها منح تأشيرة السفر للشاعر الكبير محمود درويش ، فهي بذلك اتاحت لنا و اياه فرصة الاستمتاع بآخر قصيدتين فكان الختام مسكا و عنبرا .
و لعل اسوء قرار اتخذه شاعرنا الكبير هو قرار السفر الى امريكا للعلاج ، ليس لان امريكا هي الطاعون و الطاعون امريكا و لا لأن تلك الارض لا تنتج سوى موت، بل لأن الموت الذي لطالما ظل متربصا به لم يكن لينال منه و هو على ارض فلسطين ، فلسطين للحياة لا للموت، و كل شيئ في فلسطين يستحق الحياة ، كما لم يكن لينال منه وهو متحصن بين جبال الجليل، ففي الجليل تموت العصافير بما فيها طيور الموت ايضا . و لأن محمود من بني البشر و ليس من العصافير فقد تقرر دفنه في رام الله ، لتتواصل معاناته كلاجئ حتى بعد موته ، فكما يظل اللاجئ الحي لاجئا الى حين عودته لبيته الذي اقتلع منه ، يصبح الميت لاجئا ان لم يدفن حيث ولد . ولا عجب الا يدفن في الجليل فالسلطة الفلسطينية تحت حكم طائر سنونو و الطيور تتحيز لبعضها كما تتحيز للعصافير التي تموت في الجليل لتدفن في الجليل وحدها فيصبح الجليل ارضا محتلة من قبل بني الصقور الى جانب بني صهيون لتتجدد المطالبة بحق عودة الاموات املنا في نيله و اشفاء غليل الاحياء ممن حرموا منه .
ابكي فلسطين فالمصاب جلل ، و بموت فتى الجليل اضحت نكبتك نكبتان ، ابكي فقد آن أن تتوشح ريتا اسودا و يترك الصحان وحيدا ، آن ان تشتاق يا درويش بحق لخبز امك و قهوتها و ان تخجل من دمعتها ، آن أن نودع اخ الكرمل ، لكننا نبقى في حل من التذكار فدرويش فينا